شهدت الولايات المتحدة لحظة سياسية غير مسبوقة بعد فوز زهران ممداني، السياسي الديمقراطي الاشتراكي المسلم، بمنصب عمدة نيويورك، في انتصار يُنظر إليه بوصفه تحولًا أخلاقيًا يعبّر عن وعي جديد داخل المجتمع الأمريكي المنهك من هيمنة رأس المال والتحريض الديني.

 

صراع بين أخلاقية الناس وفساد النخب

 

واجه ممداني حملة كراهية شرسة من لوبيات صهيونية متشددة، ووسائل إعلام ضخمة، ورجال دين يهود مؤيدين لإسرائيل، حشدوا المال والنفوذ لتشويه صورته. هؤلاء قدموا خطابًا دينياً وسياسياً مسموماً، زعم أن رفضه لسياسات الاحتلال في غزة يمثل "عداءً للسامية"، بينما الواقع أن عدداً كبيراً من اليهود الأمريكيين وقف إلى جانبه، وشارك بفاعلية في حملته الانتخابية، رفضًا للعنصرية والدعاية الإسرائيلية.

 

في المقابل، شكّلت انتخابات نيويورك ساحة مواجهة بين معسكرين: الأول يمثله رجال دين يبررون جرائم الاحتلال، والثاني يضم مواطنين من كل الأديان يرون في ممداني رمزًا للعدالة والمساواة. هذا التحالف الشعبي، الذي يضم يهوداً ومسيحيين ومسلمين وهندوساً، تحدّى نفوذ الأثرياء والإعلام المتواطئ، وأعاد صياغة المشهد السياسي في واحدة من أهم مدن العالم.

 

دعم يهودي وإسرائيلي مناهض للصهيونية

 

انتشار بيانات تضامن من يهود نيويورك مع ممداني كشف عن بروز تيار يهودي "ما بعد صهيوني" يرى أن الكفاح ضد الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية يجب أن يسيرا جنباً إلى جنب. جاء في أحد هذه البيانات: "نحن نؤمن أن مستقبلنا متشابك مع كل المجتمعات، وأن العدالة غير قابلة للتجزئة."

 

حتى بعض الإسرائيليين المقيمين في نيويورك أيدوا ممداني علناً، واعتبروا فوزه بداية تحرر من الأيديولوجيا التي احتجزت ضميرهم لعقود. في إحدى الفعاليات، دوّى تصفيق حار عند ذكر اسمه داخل كنيس يهودي، في مشهد عكس التحول العميق داخل قطاعات من اليهود الأمريكيين والإسرائيليين.

 

حملة تخويف إسرائيلية بعد الفوز

 

أثار فوز ممداني ذعراً داخل المؤسسة الإسرائيلية. وزير الشتات الإسرائيلي أميخاي شيكلي دعا اليهود في نيويورك إلى "الفرار إلى إسرائيل"، واصفاً العمدة الجديد بأنه "داعم لحماس" و"تهديد لليهود الأمريكيين". بينما اعتبر وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير النتيجة "انتصاراً لمعاداة السامية على المنطق"، في حين قال السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون إن حكومته "لن تتأثر بتصريحات ممداني التحريضية".

 

هذا الخطاب يعكس ارتباكاً سياسياً في تل أبيب أمام صعود زعيم مسلم يعلن بوضوح رفضه لسياسات الإبادة في غزة، ويقول إنه سيطبق القانون الدولي حتى لو طال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

 

وعد بتغيير أخلاقي في قلب أمريكا

 

في خطاب فوزه، أكد ممداني التزامه بمحاربة معاداة السامية والإسلاموفوبيا معاً، قائلاً إن "نيويورك لن تكون بعد اليوم مدينة يمكن الفوز فيها بخطاب الكراهية". وأشاد بـ"التحالف القوس قزحي" الذي حمله إلى النصر، ويمثل الطبقة العاملة والمهاجرين وكل من يؤمنون بعدالة الإنسان أياً كان دينه أو أصله.

 

ممداني، ابن أستاذ جامعي بجامعة كولومبيا وُلد في أوغندا لأبوين من أصل هندي، يجسّد جيلًا جديدًا من الساسة الأمريكيين الذين يقفون في وجه المؤسسة الحزبية الفاسدة والارتباط العضوي بين المال والسياسة. فوزُه يكشف بداية فصل جديد في السياسة الأمريكية، حيث يتراجع نفوذ الأثرياء والمتنفذين، ويصعد صوت الضمير الشعبي المنادي بالكرامة والعدالة.

 

نحو فجر سياسي جديد

 

تحوّل نيويورك إلى أول مدينة كبرى يقودها مسلم تقدمي يحمل رؤية اشتراكية وإنسانية شاملة يُعد علامة فارقة في التاريخ الأمريكي. إنه تحدٍ مباشر للطبقة السياسية التقليدية التي خانت قيمها الإنسانية بالارتهان للوبيات المال والسلاح.

 

بهذا الفوز، أعلن ممداني ومعه الملايين من الأمريكيين أن زمن الخضوع لخطاب الخوف والطائفية يوشك أن ينتهي، وأن فجرًا جديدًا من الوعي الأخلاقي بدأ يشرق في الولايات المتحدة.

 

https://www.middleeasteye.net/news/new-york-city-israeli-minister-urges-jews-flee-after-mamdani-win

https://www.middleeasteye.net/opinion/mayor-mamdani-new-york-victory-signals-moral-awakening-us